قد يكون هذا هو السؤال المهم .. حيث إن إدراك وجود المشكلة هو نصفالحل، بينما تجاهلها يمكن أن يؤدي إلى تفاقمها بصورة لا يصلح معها أي حلعند اكتشافها في توقيت متأخر … فما بالنا ونحن نحوم حول الحمى.. و لانناقشالأمور المتعلقة بالصلة الزوجية و كأنها سر و لا يسمح حتى بالاقترابلمعرفة ما إذا كان هناك مشكلة أم لا؟ لأن ذلك يدخل في نطاق "العيب" و"قلةالأدب"، فالمراهقين والمراهقات يعانون أشد ما يعانون من وطأة هذه الأسئلةوهذه المشاعر!! ونحن نسأل: كيف إذن يتم إعداد الأبناء لاستقبال هذه المرحلة الخطيرة منحياتهم بكل ما تحويه من متغيرات نفسية وجنسية وفسيولوجية، وحتى مظهرية؟ .. فالأم تقول: إني أصاب بالحرج من أن أتحدث مع ابنتي في هذه الأمور. وطبعًايزداد الحرج إذا كان الابن ذكرًا.. وهكذا يستمر الموضوع سرًا غامضًاتتناقله ألسنة المراهقين فيما بينهم، وهم يستشعرون أنهم بصدد فعل خاطئيرتكبونه بعيدًا عن أعين الرقابة الأسرية، وفي عالم الأسرار والغموض تنشأالأفكار والممارسات الخاطئة وتنمو وتتشعب دون رقيب أو حسيب. ثم تأتيالطامة ويجد الشاب والفتاة أنفسهما فجأة عند الزواج وقد أصبحا في مواجهةحقيقية مع هذا الأمر، ويحتاجان إلى ممارسة واقعية وصحيحة، و هما فيالحقيقة لم يتأهلوا له. ويواجه كل من الزوجين الآخر بكل مخزونه من الأفكاروالخجل والخوف والممارسات المغلوطة، ولكن مع الأسف يظل الشيء المشتركبينهما هو الجهل و عدم المصارحة الحلال بالرغبات و الاحتياجات التي تحقق
الإحصان، ويضاف لهذا الخوف من الاستفسار عن المشكلة أو طلب المساعدة، وعدمطرق أبواب المكاشفة بما يجب أن يحدث …وكيف يحدث..! هناك العديد من الحالات لمراهقين أوقعهم جهلهم في الخطأ و أحياناً الخطيئة، و أزواج يشكون من توتر العلاقة ،أو العجز عن القيام بعلاقة كاملة، أوغير قادرين على إسعاد زوجاتهم، و زوجات لا يملكن شجاعة البوح بمعاناتهن منعدم الإشباع لأن الزوج لا يعرف كيف يحققها لهن ، و غالباً لا يبالي.. ومعالأسف يشارك المجتمع في تفاقم الأزمة بالصمت الرهيب، حيث لا تقدم المناهجالتعليمية -فضلاً عن أجهزة الإعلام- أي مساهمة حقيقية في هذا الاتجاه رغمكل الغثاء و الفساد على شاشاتها و الذي لا يقدم بالضرورة ثقافة بقدر مايقدم صور خليعة. ويزداد الأمر سوءاً حينما يظل أمر هذه المعاناة سرًا بين الزوجين، فتتلاقىأعينهما حائرة متسائلة، ولكن الزوجة لا تجرؤ على السؤال، فلا يصح من إمرأةمحترمة أن تسأل و إلا عكس هذا أن عندها رغبة في هذا الأمر( وكأن المفروضأن تكون خُلقت دون هذه الرغبة!) والزوج -أيضًا- لا يجرؤ على طلب المساعدةمن زوجته..، أليس رجلاً ويجب أن يعرف كل شيء.. وهكذا ندخل الدوامة، الزوجيسأل أصدقاءه سرًا؛ وتظهر الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائحالمشينة، حتى يصل الأمر للاستعانة بالعفاريت والجانّ، لكي يفكّوا "المربوط"، ويرفعوا المشكلة. و عادة ما تسكت الزوجة طاوية جناحيها على آلامها، حتى تتخلص من لَوموتجريح الزوج، وقد تستمر المشكلة شهوراً طويلة، ولا أحد يجرؤ أن يتحدث معالمختص أو يستشير طبيبًا نفسيًا، بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلةربما لا يستغرق حلها نصف ساعة مع أهل الخبرة والمعرفة،.. ورغم هذه الصورةالمأساوية فإنها أهون كثيرًا من الاحتمال الثاني، وهو أن تبدو الأموروكأنها تسير على ما يرام، بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح، فلا الرجلولا المرأة يحصلون على ما يريدون أو يتمنون، وتسير الحياة وربما يأتيالأطفال معلنين لكل الناس أن الأمور مستتبة وهذا هو الدليل القاطع- وإلاكيف جاء الأطفال!! وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان يبدو راسخا مستقرًا، ونفاجأبدعاوى الطلاق والانفصال إثر مشادة غاضبة أو موقف عاصف، يسوقه الطرفانلإقناع الناس بأسباب قوية للطلاق، ولكنها غير السبب الذي يعلم الزوجان أنهالسبب الحقيقي، ولكنّ كلاً منهما يخفيه داخل نفسه، ولا يُحدث به أحدًا حتىنفسه، فإذا بادرته بالسؤال عن تفاصيل العلاقة الجنسية -كنهها وأثرها فيحدوث الطلاق- نظر إليك مندهشًا، مفتشًا في نفسه وتصرفاته عن أي لفتة أوزلة وشت به وبدخيلة نفسه، ثم يسرع بالإجابة بأن هذا الأمر لا يمثل أيمساحة في تفكيره! أما الاحتمال الثالث -ومع الأسف هو السائد- أن تستمر الحياة حزينة كئيبة،لا طعم لها، مليئة بالتوترات والمشاحنات والملل والشكوى التي نبحث لها عنألف سبب وسبب… إلا هذا السبب. هل بالغنا؟.. هل أعطينا الأمر أكثر مما يستحق؟.. هل تصورنا أن الناس لا هملهم إلا الجنس وإشباع هذه الرغبة؟، أم إن هناك فعلاً مشكلة عميقة تتوارىخلف أستار من الخجل والجهل، ولكنها تطل علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارثالأسرية، وإذا أردنا العلاج والإصلاح فمن أين نبدأ؟ إننا بحاجة إلى رؤيةعلاجية خاصة بنا تتناسب مع ثقافتنا حتى لا يقاومها المجتمع، و أن نبدأ فيبناء تجربتنا الخاصة وسط حقول الأشواك والألغام،و نواجه هذه الثقافةالغريبة التي ترفض أن تتبع سنة رسول الله في تعليم و إرشاد الناس لما فيهسعادتهم في دائرة الحلال، و تعرض عن أدب الصحابة في طلب الحلول من أهلالعلم دون تردد أو ورع مصطنع،هذه الثقافة التي تزعم "الأدب" و "الحياء" و "المحافظة" و تخالف السنة و الهدي النبوي فتوقع الناس في الحرج الحقيقي والعنت و تغرقهم في الحيرة و التعاسة. وهذا يحتاج إلى فتح باب للحوار علىمختلف الأصعدة وبين كل المهتمين،نبراسنا السنـة وسياجنا التقوى والجديةوالعلم الرصين وهدفنا سعادة بيوتنا والصحة النفسية لأبناءنا. وهذا ما سنناقشه تباعأً أولاً: الإسراف في الحياء لقد توارثنا تصورًا خاطئًا مؤداه أن خلق الحياءيمنع المسلم من أن يخوض في أي حديث يتصل بأمور الجنس، وتربينا على اجتنابالتعرض لأي أمر من هذا القبيل، سواء بالسؤال إذا اشتدت حاجتنا إلى سؤال أمبالجواب إن طلب منا الجواب، أو بالمشاركة في مناقشة هامة وجادة، إن الجنسوكل ما يتعلق به من قريب أو بعيد يظل-في إطار هذا التصور الخاطئ- وراء حجبكثيفة لا يستطيع اختراقها إلا من كان جسورًا إلى درجة الوقاحة أو كانماجنًا، أو كان من الدهماء الذين حرموا كل صور التهذيب. أما الأسوياءوالمهذبون فشأنهم عندنا عجيب، إذا أثير حديث جاد وبصورة عرضية فيه رائحةالجنس تراهم وقد تضرج وجههم من الخجل، وارتج عليهم في المسلك والقول،وكأنهم وقعوا في مأزق حرج، وربما لاذوا بالفرار بعيدًا، وإذا فرضنا أنتجرأ أحد الكبار (والد أو مدرس) وفتح حديثًا يقصد به تقديم نصيحة في أمرمن أمور الجنس فإنك ترى المستمعين قد استقبلوه بامتعاض، وقالوا لأنفسهم: ليته سكت، وربما انصرفوا بعيدا أو حاولوا توجيه الحديث وجهة أخرى، وإذاحوصروا واضطروا للإنصات طلوا على مضض وكأن آذانهم ونفوسهم لا تطيق احتمالسماع مثل هذا الكلام الثقيل!! وإذا كان لا بد من حديث الجأت إليه ضرورةملحة فلا بد أن يكون همسًا وبين جدران مغلقة بل محكمة الإغلاق، وكأنهميأتون أمرًا خبيثًا منكرًا، ينبغي إخفاؤه عن أعين الناس وعن آذانهم، ثم لابد أن يمهدوا للحديث تمهيدًا طويلاً ثم يلجون في الموضوع على استحياء وفيحرج بالغ، ولا يكادون معه يفصحون عما يريدون إلا بعد عناء شديد ومجاهدةمضنية، وإذا عرضت للشاب أو الشابة مشكلة تتصل بالأمور الجنسية أو الأعضاءالجنسية حار في التماس التصرف الملائم، والجهة التي يمكن أن يقصدها بحثًاعن حل أو علاج، هل يتحدث مع الوالد أو الوالدة أم مع الخادم أو الخادمة،مع المدرس أو المدرسة، أم مع الزميل أو الزميلة، وغالبا ما يكون الحديث معالخادمة أو الخادم، ومع الزميل أو الزميلة أهون منه مع الوالد أو الوالدةومع المدرس أو المدرسة، والسبب هو الحاجز الذي أقامه هؤلاء الكبار بينهموبين أبنائهم وتلاميذهم، أقاموه بصورة غير مباشرة بصمتهم عن كل ما يتعلقبالأمور الجنسية سنوات طوال، وبصدهم للصغار حين يثيرون أسئلتهم الساذجةالبريئة في مجال الجنس. وهذا مما ألقى في روع الأبناء منذ الصغر أن كلماله صلة بالأمور الجنسية يعتبر عيبًا لا يجوز الخوض فيه، وأمر يحسن منباب الحياء أو الواجب البعد عنه بعد المشرقين وهكذا صار من شأن المهذبينأن يفضلوا الصمت، ويتحملوا آثاره مهما كانت مزعجة مؤلمة، على معاناةالحديث، مع أن الحديث يمكن أن يُسهم في علاج المشكلات، بل قد يكون فيهالبلسم لجراح نفسية عميقة، وخلاصة الأمر أن ذلك الحياء المسرف ما هو إلاوضع نفسي نشأ ونما وتمكن منا، حتى ليستعصي علاجه إذا حاولنا العلاج، وذلكنتيجة أوهام وتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان لكننا توارثناهاجيلاً بعد جيل، وكأنها دين نستمسك به ونلقى الله عليه، وما درينا أنناأسرفنا على أنفسنا، واتبعنا أهواءنا، وخالفنا شرع الله الحكيم، وهدي نبيناالكريم وسيرة أصحابه الأطهار ثانيا: الحياء السوي على هدي الكتاب والسنة نعتقد أن هناك وهمًا كبيرًا قدأحاط بمعنى الحياء نريد مستعينين بالله أن نحاول إزالة هذا الوهم الذي أدىإلى بناء سد منيع هائل بين المسلم وبين معرفة تقاليد دينه في جانب خطير منحياة كل إنسان رجلاً كان أو امرأة، وهذا الجانب يشمل كل ما له صلةبالأعضاء التناسلية أو بالمتعة الجنسية، حقًا أنه قد ورد عن رسول الله صلىالله عليه وسلم أحاديث عديدة ترفع من شأن الحياء. - فعن أبي هريرة رضيالله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاهفي الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء منالإيمان" رواه البخاري ومسلم. - وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلىالله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِفاصنع ما شئت" رواه البخاري ومسلم. - وعن عمران بن حصين قال: قال النبيصلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، فقال بشير بن كعب: مكتوبفي الحكمة، إن من الحياء وقارًا، وإن من الحياء سكينة فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحيفتك!. رواه البخاريومسلم. قال الحافظ ابن حجر : قوله: "والحياء شعبة من الإيمان" الحياء فياللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وفي الشرع خلق يبعثعلى اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، لهذا جاء في الحديثالآخر: "الحياء خير كله" ولكن استعماله وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب علمونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة، وحاجزًا عن فعلالمعصية، ولا يقال: رب حياء يمنع عن القول الحق أو فعل الخير، لأن ذلك ليسشرعيًّا". وقال الحافظ أيضًا: "قال عياض وغيره: إنما جعل الحياء منالإيمان وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصدواكتساب علم، وأما كونه خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله علىالعموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله علىالإخلال ببعض الحقوق، والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكونشرعيًّا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس شرعيًّا بل هو عجزومهانة. وينبغي أن نتأمل هذا البيان من الحافظ ابن حجر ومن القاضي عياض،وتمييزهما بين الحياء السوي وبين الحياء المريض، أولهما يقول: "ولا يقالرب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير، لأن ذلك ليس شرعيًّا" وثانيهمايقول: والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيًّا بل هو عجزومهانة". ونخلص من هذا الكلام الرصين إلى أن الحياء السوي الذي يجلهالإسلام، ويأمر به كل مسلم ومسلمة، هو ذلك الخلق الذي يبعث على اجتنابالقبيح من الفعال، وهو غير الحياء الأعوج، والأفضل أن نسميه بالخجلالمرضي، حتى يظل لفظ الحياء له جلاله الذي يسبغه عليه الإسلام، ولا يختلطبأوهام خارجة تمامًا عن معناه الشرعي، هذا الخجل المرضي هو الذي يحول بينالفرد رجلاً كان أو امرأة وبين قول الحق في موقف، أو يصرفه عن فعل الخيرفي موقف آخر، وذلك لأدنى ملابسة عارضة يحيط بها الموقف أو ذاك، كأن يكونهناك حشد كبير أو يكون الفرد حديث عهد بالأشخاص الحضور أو يكون أصغرهمسنًا أو مكانة، أو يكون الحضور من الجنس الآخر بعضهم أو كلهم، أو يكونموضوع قول الحق أو عمل المعروف له علاقة بالجنس الآخر، أو أن يكون الموضوعنفسه له صلة بالثقافة الجنسية أو ما إلى ذلك من ملابسات ضئيلة الشأن فيميزان الحق والواجب. فإذا حدث أي من هذه الملابسات فينبغي أن نسميه ضعفًاعن فعل الواجب، أو جبنًا عن قول الحق، وهكذا نسمي الأشياء بأسمائها، ونميزالحياء الشرعي عن الخجل المرضي، ولننظر الآن كيف صحح أنس رضي الله عنه فهمابنته للحياء الشرعي: - فعن ثابت البناني قال: "كنت عند أنس وعنده ابنةله. قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليهنفسها، قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها!! واسوأتاه.. واسوأتاه. قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلمفعرضت عليه نفسها". رواه البخاري. ولدينا في القرآن والسنة نماذج ترسم لنا كيف لا يمنع الحياء من قول الحقأو فعل الخير، وإن كان الحق والمعروف لهما صلة بالأمور الجنسية أو بالجنسالآخر، صحيح أنه يمكن أن يحدث داخل النفس نوع من التوتر يصاحب القول أوالفعل، وهذا أمر محمود، وكثيرًا ما يلازم الحياء السوي. نموذج من القرآنعن الحياء السوي: قال تعالى: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إنأبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" سورة القصص الآية: 25. فهنا فتاة تخرجللقاء رجل غريب، ومن الطبيعي بل ومن المحمود أن يصيبها قدر من الحياء، لكنأن يبلغ بها الحياء درجة تمنعها من الخروج لهذا اللقاء وتحقيق مصلحة واجبةأو مندوبة فهذا هو المرفوض المذموم. نماذج من السنة عن الحياء السوي: - عنعائشة أن أسماء بنت أبي بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيضفقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهِّر فتحسن الطهور، ثم يصب على رأسهافتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليه الماء ثم تأخذفرصة مُمَسَّكة فتطهِّر بها، فقالت أسماء: وكيف تُطهِّر بها؟ قال: سبحانالله تطهرين بها، فقالت عائشة -كأنها تخفي ذلك- تتبعين أثر الدم، وسألتهعن غسل الجنابة فقال: تأخذ ماء فتطهـِّر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور، ثمتصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالتعائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن فيالدين. رواه البخاري ومسلم وهذه رواية مسلم. وصدقت عائشة أم المؤمنين إذتصف نساء الأنصار بالحياء، ذاك الحياء السوي الذي لم يمنعهن من قول الحقوعمل المعروف، وهو هنا في صورة طلب العلم والفقه في الدين. لكن لا حرج فيأن يستجيب المؤمن لما يصيبه من حياء سوي، فلا يواجه الموقف بنفسه، ويلجأإلى وسيلة أخرى تحقق المصلحة دون مواجهة، وهذا ما يفعله صحابي جليل: - فعنعلي بن أبي طالب قال: "كنت رجلاً مذَّاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلىالله عليه وسلم ( وفي رواية: لمكان ابنته) فأمرت المقداد بن الأسود فسألهفقال: فيه الوضوء. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عن أبي داود عن علي قال: "كنت رجلاً مذاءً، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري" وفي رواية لابن حبان: عنالمقداد بن الأسود "أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عنديابنته، وأنا استحيي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليهوسلم فقال: "إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة". وردفي فتح الباري: قال ابن دقيق العيد: كثرة المذي هنا ناشئة عن غلبة الشهوةمع صحة الجسد. وقال الحافظ ابن حجر، في الحديث استعمال الأدب في تركالمواجهة لما يستحيي منه المرء عرفًا، وحسن المعاشرة مع الأصهار، وترك ذكرما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، وقد تقدم استدلال المصنف (أيالبخاري) به في كتاب العلم لمن استحيا فأمر غيره بالسؤال، لأن فيه جمعًابين المصلحتين: استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم. ثم إنهأحيانا يلجأ الإنسان صاحب الحياء السوي إلى التخفيف مما يحسه من توتر (أيحياء) وذلك بأن يقدم بين يدي حديثه عن أمر من أمور الجنس -أو يعقب عليه-فيصرح بما يخالجه من حياء وهذه نماذج لهذا السلوك السوي: - عن أم سلمةقالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولالله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقالالنبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله.. أو تحتلم المرأة؟ قال: نعم. تربت يمينك . فبم يشبههاولدها؟. رواه البخاري ومسلم. وقد أورد البخاري هذا الحديث تحت باب "الحياءفي العلم" وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر". عن أبي موسىقال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصار: لا يجب الغسلإلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل،قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأُذن لي،فقلت لها : يا أماه أو -يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإنيأستحييك، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك،فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان،فقد وجب الغسل. رواه مسلم. ولننظر هنا كيف يظن رجل أن طلب العلم من امرأةفي أمر من الأمور الجنسية، يعتبر من الرفث ، الذي ينبغي أن ينأى عنه الرجلالحيي، فترد عليه عائشة في صراحة ووضوح، دونما حرج، بأن يدفع ذاك الظنالخاطئ. على أن هناك مجالين لها علاقة بالأمور الجنسية يفرض الحياء السويالصمت الكامل فيهما: المجال الأول: هو مجال أسرار المباشرة الزوجية. والمجال الثاني: هو مجال العبث واللهو والتندر بأمور تتعلق بالمتعةالجنسية، مما يزيح عنها رداء الصون والعفاف ويعرضها للابتذال، هذا فضلاًعما قد يثيره من الشهوة، لا سيما عند غيرالمتزوجين. ثالثا: لا حياء في تقديم الثقافة الجنسية المشروعة أو طلبها ينبغي أن نكونعلى ذكر من أن الله سبحانه وتعالى، قد أنزل في كتابة الكريم من أمور الجنسشيئا كثيرًا، وفيه شواهد تطبيقية على أن ذكر الأمور الجنسية في مناسبتهالا يتعارض مع الحياء بوجه من الوجوه، وقد أنزل الله كتابه نورًا لعباده،ويسره لهم ليتلوه جميعا ويتدبره الرجل والمرأة والشاب والشيخ، فقال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (سورة القمر الآية: 40) كما ينبغيأن نكون على ذكر أيضا من أنه ورد في السنة عن أبي سعيد الخدري رضي اللهعنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها". رواه البخاري ومسلم. ولم يمنع هذا الحياء الجم- بل البالغ أقصى درجاتالكمال، لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يعلم الناس أمورالجنس، ويستمع إلى أسئلتهم وشكاواهم المتعلقة بالجنس في سماحة ويسر، حتىوإن كانت بعض تلك الأسئلة والشكاوي صارخة التعبير. ونؤكد أنه ينبغي أنتكون لنا القدوة الحسنة في آيات كتاب الله العزيز وفي سنة رسوله الأمينفنتعلم منهما النهج السوي في الحديث عن أمور الجنس نهجًا يتسم بسمو فيالتعبير -مما يتوافق مع الحياء السوي، كاستعمال الكناية والمجاز، حيثيغنيان عن الحقيقة، والإشارة حيث تغني عن العبارة، والتلميح حيث يغني عنالتصريح، والإجمال حيث يغني عن التفصيل، على أن الحياء السوي لا يتعارض معنوع من التصريح أحيانا، أو مع شيء من التفصيل أحيانا، حتى يكون البيانأكمل بيان. وسنعرض هنا مجموعة شواهد تبين كيف عالج القرآن الكريم في أدبكثيرًا من القضايا التي لها علاقة بالأعضاء التناسلية أو بالمتعة الجنسية،فقدم بذلك للمؤمنين والمؤمنات ثقافة جنسية رصينة، ثم نعرض شواهد أخرى تبينكي تأسَّى رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم، وكذلك صحابته الكرامثم بعده، فعالجوا جميع تلك القضايا في وضوح، وهو على أتم الحياء وأكمله فيالوقت نفسه، فبدافع من الحياء كانوا يقفون من الحديث عند قدر الحاجة لايتجاوزونها، وكانوا يتحرون الجد ويجتنبون الهزل وكانوا يقصدون المصلحة لاالمفسدة، رائدهم دائما العفاف والطهر لا المجون ولا الفجور. إن أعضاءالبدن كله تشمله الطهارة والكرامة سواء كانت ضمن الجهاز التنفسي أو الجهازالهضمي أو الجهاز التناسلي، وكذلك إعمال الإنسان كلها تشمل الطهارةوالكرامة، إذا تمت وفق شرع الله، سواء أكانت أعمال التجارة، أو أعمالالقتال أو أعمال المباشرة الجنسية، لذا كان من الطبيعي أن تذكر أعضاءالتناسل، وأعمال المباشرة الجنسية، وما يؤدي إليها وما ينتج عنها عندماتأتي المناسبة، كما تذكر أعضاء الأكل والشرب أو أعمال القتال عندما يأتيمناسبتها. وكما أنه لا حرج في ذكر اليدين والفم أو في ذكر الدم والدمع،فلا حرج في ذكر السوأتين والفرج أو في ذكر النطفة والمني، وكما أنه لا حرجفي ذكر الجوع والظمأ، أو في ذكر أكل الطعام وشرب الماء، فكذلك لا حرج فيذكر المحيض والطهر وفي ذكر الرفث إلى النساء ومس النساء، ما دامت المناسبةمشروعة، والأسلوب راقيًا، والهدف هو مصلحة المؤمنين والمؤمنات في دينهمودنياهم . تتعدد المواقف التي يجد فيها الزوجان أن لكل منهما رغبات واحتياجات لاتتفق مع ما يريده الآخر..وتواجه الحياة الزوجية أزمات حادة حين يصر كل طرفعلى ما يريد، كما أن فوز طرف وخسارة الآخر لا تعني مرور الأزمة بسلام بلفقط تأجيل الانفجار لوقت لاحق لشعور طرف بالغبن وتجاهل رغباته أو احتياجاته
0 التعليقات:
إرسال تعليق