لقد عني الإسلام الحنيف بالأسرة عناية كبيرة باعتبارها اللبنة الأولى في بناء المجتمع كما عني بتنشئة الأطفال تنشئة سليمة واتخذ الأسباب الكفيلة لتحقيق ذلك ومنها توفير المحضن السليم الذي يبدأ فيه الطفل حياته وهو الأسرة التي تنشأ من الزواج ويكون فيها السكن والاطمئنان والهدوء وتسودها علاقة المودة والمحبة القائمة على الرحمة والملاطفة المتبادلة. |
وتهيء جو السعادة والانشراح لكلا الزوجين مصداقا لقوله تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ( الروم 21 ) ولهذا فإن عباد الله الصالحين وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل يدعون ربهم أن يهب لهم الاستقرار والطمأنينة وقرة العين من هذا الزواج وما ينتج عنه من الأولاد فيقولون :" ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ( الفرقان 74) . كما يدعون ربهم أن يرزقهم ذرية صالحة تنفعهم في دنياهم وفي آخرتهم : " وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين " ( الأحقاف 15 ) . فإذا أحسن الآباء تربية أطفالهم شبوا صالحين أخيارا طائعين ، مؤمنين ، فيقومون على رعاية آبائهم في الكبر ويدعون لهم بعد مماتهم فيغفر الله لهم ، فثواب صلاحهم سيصل آباءهم في قبورهم ويزيد في حسناتهم يوم القيامة. ويعملون بذلك على بناء أسرة قوية سعيدة منتجة يتمتع جميع أفرادها بالصحة والسلامة ، والإسلام يؤكد على وجوب قيام الآباء بتنشئة أطفالهم تنششئة سليمة صحيحة والعمل على حمايتهم من كل ما قد يلحق بهم الضرر والمرض ، حتى يكونوا أصحاء أسوياء فتنشأ أجيال سليمة وبالتالي أسرة سليمة ومجتمع سليم منتج وإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسمية فإن أية وسيلة محققة لذلك مشروعة أيضا وغير حرام ، بل ترتفع إلى رتبة الوجوب إذا وجدت أسباب أدت إلى التخوف من وجود نسل مريض بسبب الأمراض الوراثية الناجمة عن ذلك . . الفحص الطبي قبل الزواج : من أجل ما سبق ذكره ظهرت فكرة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج لكل من الخاطبين أو الراغبين في الزواج لاكتشاف بعض الأمراض سواء منها المعدية والسارية والمنفرة أو الوراثية ، فالفحص الطبي قبل الزواج هو وسيلة للوقاية وليس وسيلة للعلاج لأن الوقاية خير من العلاج فكما بقول المثل :" درهم وقاية خير من قنطار علاج " وبإجراء الفحص الطبي قبل الزواج يمكن منع حدوث الكثير من الأمراض والتخفيف من التشوهات التي تصيب الأطفال . والفحص الطبي قبل الزواج عبارة عن مجموعة من الفحوصات المخبرية والسريرية التي تجرى لكل من الشاب والفتاة اللذين يرغبان في الإرتباط مع بعضهما البعض بالزواج ، وهو مهم جدا ، إذ يساعد في تغيير ايجابي في المجتمعات الإسلامية بهدف إدامة السعادة في الحياة الزوجية والحفاظ على المودة والرحمة . ويهدف إلى تحقيق غرضين اثنين هما : أولا : المحافظة على الزواج نفسه وعلى كيان الزوجية : فهناك أمراض معدية وأمراض سارية وأمراض منفرة وأمراض قاتلة وأخرى خطيرة مثل : الحصبة الألمانية ، الايدز ، العقم ، العنة ( الضعف الجنسي عند الرجل ) الزهري ، السيلان ، الكلاميديا ، الرتق (انسداد المهبل) ، القرن(عظم في المهبل) واضطرابات شديدة في العادة الشهرية عند الأنثى ، لا يعلمها الزوج أو الزوجة قبل الزواج فإذا اكتشفت بعد الزواج أدت إلى فسخه وهدمه ، وفي هذا المجال يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بامرأة من غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها ( جنبها ) بياضا (برص ) فقال لها البسي ثيابك والحقي بأهلك " وقال لأهلها : دلستم علي ، وفي رواية : لقد غررتموني ، فاعتبر ذلك غررا وردها لأهلها دون أن يمسها ثانيا :المحافظة على صحة النسل والذرية : إن الإسلام لا يدعو إلى كثرة النسل المطلق ، بل يفضل الكثرة مع السلامة والقوة لهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير " والأولاد زينة الحياة الدنيا ، قال تعالى:" المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ( ) وتبهت هذه الزينة وتنتفي السعادة من البيت ، بل قد يتحول إلى ركام من البؤس عندما يمرض الولد لساعات قليلة ، فكيف يكون الحال إذا كان المرض دائما لا يرجى شفاؤه ؟ كأن يكون أحد الأبناء أو أكثر يعاني من إعاقة دائمة . لهذا كله تظهر أهمية الفحص الطبي قبل الزواج لأنه يساعد في التخفيف من معاناة الأبوين خاصة والمجتمع عامة ، وذلك عن طريق تقليل انتشار الأمراض الوراثية والتخلف العقلي بين الأطفال والتقليل من حدة التشوهات الخلقية والإعاقات عن طريق الوقاية ومنع حدوث المرض وليس عن طريق معالجة المرض بعد حدوثه . لقد حدد الإسلام الحنيف بتشريعاته السامية ونظامه الشامل لكل من الخاطبين قواعد وأحكاما ليضمن لهما زواجا سعيدا يحقق لهما السكن والمودة والرحمة لتتكون منهما الأسرة السعيدة التي هي نواة المجتمع السليم المنتج ، ولهذا يجب إرشاد ارغبي الزواج إلى شريك ترعرع في بيئة صالحة وتناسل من نطفة سليمة انحدرت من أصل كريم حتى يرضعوا أبناءهم لبان المكارم والفضائل ، ويكسبوهم الخصال الحميدة ، لذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم كل من يرغب في الزواج أن يتخير لنطفته وينتقي الزوجة الصالحة من أصل كريم طيب ، وهذا التوجيه النبوي يعد من أعظم الحقائق العلمية والنظريات التربوية الحديثة ، فقد أثبت علم الوراثة اكتساب الولد لصفاته الخلقية الجسمية والعقلية من والديه ، فقال صلى الله عليه وسلم :" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " .والإسلام يضمن الحرية الشخصية ، وبالتالي لا يجوز الإكراه على الزواج ولا على عدم الزواج فإذا ثبت بالتأكيد أن فتاة تزوجت رغما عنها وإكراها وهي غير راضية بهذا الزواج صراحة ، فهذا الزواج فاسد شرعا ، واللقاء بين الزوجين زنا مع ثبوت شرعية الأبناء ، ولا بد من التفريق بينهما إذا ثبت أن الإكراه وعدم الرضا ما زال قائما . وللإبقاء على الأسرة متماسكة ولإدامة الحياة الزوجية السعيدة والحفاظ على الذرية هناك شروط ينتقي الشريك شريك حياته على أساسها ، هي : أولا : أمور أساسية يمكن إدراكها من قبل الشريكين لوحدهما دون تدخل مثل : التدين والمنبت الحسن والمؤهل العلمي والثقافي والحسب والنسب ، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إياكم وخضراء الدمن ، قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ المرأة الحسناء في المنبت السوء ." ثانيا : الأمور الصحية التي يحتاج إليها الشريكان في معظمها إلى نصح أهل الاختصاص مثل : 1 – أمور الصحة الظاهرة للعيان حيث يمكن للشريك أن يدركها لوحده وهي تتعلق بالسمع والبصر والنطق والعرج والتشوه أو التخلف الظاهر وكذلك تشمل بعض العادات المنفرة مثل : التدخين , الإدمان على المخدرات أو المسكرات 2 – أمور صحية ظاهرة ولكن لا يمكن للشريك أن يراها أو يدركها لأنها خافيةمثل : العقم ، العنة ( الضعف الجنسي ) ، اضطرابات الدورة الشهرية ، انقطاع الطمث ورائحة كريهة ، فهذه يجب على الشخص المصاب بأحدها إن يعلم المتقدم للخطبة بوجوده ، لأن عدم كشفها يعتبر من باب الغرر ، والإسلام أباح أن نمنع الغرر وأن نوضح للشخصين الخاطبين بوجود المرض ، فإذا لم يعلم واكتشفه بعد الزواج فيحق له أن يفارق شريكه ،وأما إذا عرف بأنه مصاب بالمرض وزضي به فما عليه غرر، وإذا رضي به فلا يمكننا أن نفرض عليه مقولة أنه ممنوع من الزواج مطلقا ،ولا يحق له المفارقة بسببه. 3 – الأمراض الخافية التي لا يمكن للشريك ولا للطبيب معرفتها إلا بالرجوع إلى التحاليل المخبرية مثل : أ – الأمراض المعدية وهي على أنواع : 1- أمراض معدية قاتلة مثل الإيدز 2 – أمراض منفرة مثل الجذام 3 – أمراض مؤثرة على الذرية إما منقولة بالجنس مثل : الزهري ، السيلان والكلاميديا أو غير منقولة بالجنس مثل : الحصبة الألمانية ، مرض القطط والتهاب الكبد البائي فالأمراض الخطيرة منها في حال اكتشافها لا يتم إجراء عقد الزواج ، وأما الأمراض التي يرجى الشفاء منها بعد العلاج فللخاطبين حق الخيار في القبول أو في الرفض للزواج . وإذا تبين وجود مرض منفر أو يسبب أمراضا وإعاقات للأولاد بعد الزواح مباشرة فيحق للزوج فسخ الزواج وعلى ولي أمر الزوجة أن يعيد المهر للزوج لأنه قد غرر به ، فهو يدخل في باب الغرر . أما إن علم بالمرض بعد الدخول ورضي به ولم يطلب التفريق في حينها ومضى وقت على الزواج بعد العلم فلا يكون ذلك المرض موجبا للفسخ بسبب رضاه عنه وقبوله به وتعايشه معه . ب : الأمراض الوراثية: هناك آلاف الأمراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى أبنائهم عبر الكروموسومات ( الجينات الوراثية ) وهي تؤدي إلى إلى إحداث إعاقات بالنسل فتلحق الضرر بالمجتمع فينبغي إن لا يتم عقد الزواج مع وجودها ، وهي تنتقل إما : * - بالطريقة السائدة : ويكون جين المرض سائدا بمعنى يكفي وجوده عند أحد الأبوين ليظهر على الطفل . *- بالطريقة المتنحية : بمعنى لا يظهر المرض إلا إذا كان الأبوان الاثنان حاملين للجين المرضي واتحد الجينان معا . أما وجود الجين المرضي عند أحدهما فلا يؤدي الى الإصابة بالمرض مثل مرض التلاسيميا أو فقر دم البحر المتوسط وهو منتشر في المنطقة وفي الأردن ونسبة الإصابة ما بين 7- 10 % ويبقى الطفل رهينة لكيس الدم بشكل دوري كل 3 – 4 أسابيع والى علاج ديسيفيرال لإزالة الحديد المتراكم من الجسم . وكذلك فقر الدم المنجلي من الأمراض الوراثية ينتج عن اختلال في أحد الأحماض الأمينية الداخلة في تركيب هيموجلوبين الدم وينتقل بالطريقة المتنحية بمعنى من الأب والأم معا . * - بالطريقة المرتبطة بالجنس بمعنى إن الأم تكون حاملة للمرض وتنقله لابنها الذكر ولا تنقله لابنتها لأنه مرتبط بالجين xالأنثوي فإذا أصيب الجين x عند الذكر يظهر عليه المرض xy أما إذا أصيب جين عند الأنثى فلا يظهر عليها المرض ولكن تكون حاملة له xx yx فهنا احتمال أن تصاب نصف الإناث بالمرض إذا اتحد x المصاب من الأم مع x المصاب من الأب xx . إن الوقاية من هذه الأمراض الخطيرة والمزعجة والتي تؤثر سلبا على الطفل وعلى الأسرة وعلى المجتمع ممكنة بالفحص الطبي قبل الزواج وبيان خطورة الأمر لكلا الراغبين بالزواج والعمل على منع إتمام هذا الزواج في حال كان الاثنان حاملين للمرض . أما إذا كان أحدهما فقط حاملا للمرض فلا مانع من إتمام عملية الزواج لأن ذلك لا يؤدي إلى ولادة طفل مصاب وإنما طفل حامل للمرض . والفحص الذي يجري سهل وهو. M. C. V معدل حجم الكرية الحمراء فإذا كان أعلى من 80فهذا دليل على سلامة الشخص وعدم حمله للمرض ،وإذا كان اقل من 80 فيشك بحمله لجين المرض ، وفي هذه الحالة يتم إجراء فحص آخر أكثر دقة وهو Electrophorese للتأكد من وجود جين المرض . ويتم إجراء الفحص في الأردن في جميع مستشفيات المملكة والمراكز الصحية مجانا وتظهر النتيجة خلال 15-30دقيقة تسهيلا على المواطنين وعدم جعله عائقا أو مؤخرا . وأود هنا أن أشير غلى انه يساء فهم موضوع زواج الأقارب ، بحيث انه يتهم بأنه سبب هذه الأمراض الوراثية ، والواقع أنه ليس كذلك ، حيث إن نسبة الإصابة في زواج الأغراب هي 2%اي أن احتمال ولادة أطفال أصحاء هي 98% بينما في زواج الأقارب نسبة الإصابة 4% أي أن احتمال ولادة أطفال اصحاء هي 96%وليس هذا بالفرق الكبير . ولهذا يجب علينا إجراء الفحص الطبي لكل من الخاطبين للتأكد من وجود أو عدم وجود الجين المرضي سواء كانا من الأقارب أو من غير الأقارب ، وعلينا أن لا نشجع على إشاعة هذه الإشاعة غير الدقيقة ، لأن الجميع يعلم أن أكثر من 50% من الزيجات هي بين الأقارب وأن 36% منها بين أبناء العمومة الأولى . :كذلك يجب الإشارة إلى أنه حتى لو تم فحص الخاطبين وثبتت سلامتهما الاثنين فهذا لا يعني أنه لن يولد لهما مطلقا ولد مصاب بالتلاسيميا أو بفقر الدم المنجلي، بل يمكن أن يحدث ذلك لأن هناك ما يعرف "بالطفرة الوراثية" بمعنى قد يحدث خلل في الكروموزومات ابتداء منهما . وإذا كان أحد الخاطبين حاملا لجين مرض التلاسيميا أو فقر الدم المنجلي فلا مانع من إتمام الزواج بينهما ، لأن المرض ينتقل للابن بالطريقة المتنحية ففي هذه الحالة لا ينتقل المرض للابن ،أما إذا كان الخاطبان حاملين للجين المرضي فلا يتم الزواج ، لأنه سيؤدي إلى ولادة أطفال مصابين بالمرض، ولكن ليس للقاضي أن يمنع الزواج بالإكراه ، وإنما يبين خطورة زواجهما على أبنائهما ، واحتمالية إصابتهم بالمرض المعوق وينصحهما بعدم الزواج ، إما إذا أصرا على الزواج رغم علمهما بحملهما جين المرض وأن من أطفالهما سيولدون معاقين فينصحان بعدم الآنجاب لأن في ذلك إلحاق الضرر بالمجتمع. وقد يسأل سائل فيقول هل يجوز إخبار الطرف الثاني بأن الخاطب (ذكرا كان أم أنثى) مصاب بمرض معدي ؟ والجواب هو لا ،ليس من حق الطبيب أن يعلن ما يكتشف من أمراض معدية بأي شخص إلا بموافقة الشخص نفسه ، لأن ذلك كشف للأسرار ، وفي ذلك عقوبات قانونية ودينية وشرعية ،ولكن يمكن للطبيب أن يقول للطرف الآخر أن هذا الشخص لا يصلح لكَ أو لك(ي) زوجة أو زوجا فقط دون ذكر الأسباب . وأخيرا نقول بأن قانون الأحوال الشخصية الأردني ينص على :"جواز التفريق بين الزوجين إذا وجد في أحدهما أمراض معدية منفرة لا يمكن المقام معها واستمرار الحياة الزوجية ، وأخذا من النصوص فإنه يجوز إجراء الفحص الطبي بين الخاطبين والتأكد بالفحوصات السريرية والشعاعية والمخبرية من خلو الجسم من الأمراض الوراثبة والسارية والمعدية التي تؤثر على النسل وتجعله نهبا للأمراض المزمنة والعاهات المستديمة. |
(http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=12523) |
0 التعليقات:
إرسال تعليق