التعامل مع التوتر والضغوط النفسية


كيف تتعامل مع التوتر والضغوط النفسية

التوتر : لغة هو الشد وورد في لسان العرب أوتر القوس بمعنى شدها والوتر هو شرعة القوس ويقال توتر عصب فلان أي اشتد فصار مثل الوتر وتواترت الأشياء أي جاءت بعضها في اثر بعض.


وحين استعماله كمصطلح فالتوتر على الأغلب يعني الشد المتواصل , وقد يوصف به الشخص أو الظرف كأن يقال الأوضاع متوترة أو يقال فلان متوتر وفيما يتعلق بالأشخاص فإنها تأتي على الأغلب   كوصف لرد الفعل الناجم عن الشدة والتتابع أو تتابع الشدائد.    
وإذا ما أردنا تعريف الشدة أو الظرف الضاغط أو الموتر علمياً لقلنا أنه أي ظرف يطرأ أو يتتابع ليؤثر على حياة الإنسان مستنزفا طاقات جسمية أو نفسية إضافية تفوق تلك التي يستهلكها ويستثمرها في الظروف المعتادة, ولعل تقدير حدة تلك الشدة وأثرها يتباين بتباين الأشخاص من حيث القدرات الجسدية  والنفسية والقناعات والأفكار ,فما قد يعتبر  قاسياً بالنسبة لشخص ما  قد  يعتبر محتملا بالنسبة لشخص آخر,وما يوجب المساعدة لأحدهم  من الممكن ألا يوجبها للآخر.

وقد حاول علم النفس على مدى السنين وضع مقاييس معينة لقياس الشدائد وأحداث الحياة المختلفة و أثرها على الأفراد , ولعل اكثر المقاييس صدقية هو مقياس أحداث الحياة المكون من مجموعة من الأحداث المتباينة ,  لكل منها درجة شدة معينة يكرس لها عدد معين من النقاط  حيث يقوم الشخص بذكر الأحداث التي مرت عليه خلال سنتين ومن ثم يجمع محصلة الأحداث ومجموع النقاط فإذا كان المجموع العام 150 أو اقل فإن ذلك يعني أن الشخص لا يعاني من آثار التوتر المتراكم, وإذا كان المجموع ما بين 150-300فهذا يعني أن الشخص يعاني من آثار التوتر المزمن أما إذا تجاوز المعدل 300فعلى الأغلب أن هناك بعض التأثيرات الضارة أو المزمنة قد نشأت عن التوتر المتراكم.

ويكون رد الفعل على الشدة على شكلين :
أ-جسماني ويتمثل  إما بزيادة عمل الجهاز العصبي اللاإرادي  autonomic وزيادة إفراز هرمون الأدرينالين ومن ثم الكورتيزون إذا ما استطالت وما يستتبع ذلك من التحضير للهرب أو للمواجهة إذا كانت الشدة تهديدا أوبالميل للذهول والسكون إذا كانت الشدة فقدا
ب- نفسي وعاطفي وعلى الأغلب أن يكون قلقا تجاه ما هو تهديد  و طارئ , وحزنا تجاه الفقد والفشل.

وبناء على ذلك فإن مظاهر التوتر على الفرد قد تمتد لتشمل على مدى الجسم :
1-الرأس قد يكون هناك شعور بالدوخة وعدم الاستقرار قد يضطرب النظر و يحس الإنسان بطنين أو وشيش في أذنيه كما قد يعاني من جفاف الحلق وصعوبة البلع.
2- الرقبة  قد يكون هناك شعور بالاختناق.
3- الصدر قد يعاني الإنسان من ثقل وضيق في الصدر إضافة إلى الصعوبة في التنفس, والإحساس بضربات القلب وتسارعها.
4- البطن قد يكون هناك شعور بالغثيان والرغبة في القيء ,وكذلك اضطراب حركة الأمعاء وما يتبع ذلك من الإسهال أو الإمساك أو زيادة الغازات والتجشوء.
كما قد يكون هناك معاناة من عسر الهضم والتطبل.
5- الحوض والمجاري البولية والتناسلية وقد يحدث ان  تتغير عادات التبول مع الشعور بضغط المثانة وقد يترافق ذلك مع فتور الرغبة الجنسية واضطراب الدورة الشهرية.
6- الأطراف والمفاصل قد يشعر الشخص بضعف المفاصل ,كان يقول" ركبي سايبة" أو "ارجلي لم تعد تحملني, كما قد يشعر بألوهن العضلي والتنميل والخدران في كافة الجسم.
7- يترافق ذلك مع جملة من التغيرات في الأحاسيس والمشاعر تتراوح حدتها من شخص إلى شخص ومن توتر إلى توتر وفي الغالب أن تتخذ أحد مسارين
أ- عدم الراحة والاستقرار ---القلق ---الخوف—الفزع – وهو ما قد ينتهي  بأحد اضطرابات القلق وذلك إذا ما اضطربت دفاعات الإنسان أو ضعفت.
ب- حزن  وانسحاب وقد ينتهي ذلك بأحد اضطرابات الكآبة.
8- إلى ذلك تضطرب جملة الوظائف الحيوية للفرد من أكل ونوم وجنس وحركة.
أما مظاهر التوتر ونتائجه على المدى البعيد فتتحدد في سياق عملية تفاعلية أطرافها  الشخص وإمكانياته قي مواجهة الظروف.

آليات الدفاع والتكيف :
التعرض لظرف طارئ وصعب  يستنفر مجمل طاقات الشخص الجسدية والنفسية والاجتماعية سواء تلك البارزة منها أو الكامنة على شكل احتياط للعمل في الأزمات وفي معرض تصنيفنا لطبيعة ردود الفعل تناولنا استنفار القدرات الجسدية على هيئة تحفز الجهاز العصبي اللاإرادي autonomic nervous system  وتحديدا السمبثاوي sympathetic حيث يزيد ضخ القلب وتتوسع حدقة العين وتشتد العضلات تحسبا لأي طارئ واستعدادا للتعاطي كرّا أم فرّا أما ما يحدد إذا كان الأمر كرّا أم فرّا فهو آليات الدفاع والتعامل النفسية الموجودة لدى الشخص وقد فرق علم النفس بين هذه الآليات باعتبار أن آليات التعامل تتم بإشراف العقل الواعي وتحت السيطرة المباشرة conscious في حين أن  آليات الدفاع تتم من خلال العقل الباطن unconsciousوقد أسهبت المدارس النفسية وبالذات التحليل النفسي في شرح مختلف أنواع وأشكال وصنوف هذه الآليات.

لن نستغرق في وصف كل من هذه الآليات و إنما سنحاول تناولها بشكل مجمل من خلال الطريقة التي تؤثر بها على استجابات الفرد.

بشكل عام يمكن تقسيم سلوكيات وآليات الشخص للتعامل مع الشدة الى قسمين رئيسيين
1-     سلوك تكيفي adaptive وتستعمل هنا بمعنى إيجابي أي بما يسهم في تكيف الشخص مع الشدة والتعامل معها ومن ذلك :     
أ)السعي لحل المشكلة  , problem solving  والمواجهة, وذلك من خلال البحث عن المساعدة إما من شبكة الشخص الاجتماعية أو المساعدة المهنية المحترفة ,طب , قضاء, شرطة أو من هم ذوي خبرة أوسع في المجال المعني مثل الموظفين الأقدم أو المسؤولين.
ومن ذلك أيضا التعلم والبحث والاستقصاء.
ب)التنفيس العاطفي emotional reduction التنفيس والحديث عنها "فش القلب", وكذلك تجنب المواجهة والحل الفوري avoidance ومن ذلك أيضا الاعتراف بعدم القدرة على تحمل المسؤولية إذا كان الأمر يتجاوز قدرات الشخص, وذلك بدلا من التورط في عمل مضن وشاق قد يكون طويل المدى بعيد الأثر.

2سلوك غير تكيفي maladaptive ومن ذلك إساءة استعمال المواد والعقاقير المهدئة مثل الكحول وفي نفس الشخص انه يستعمل ذلك لكي ينسى أو يخفف عن نفسه وهو بهذا يكون "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
ومن أنماط السلوك غير التكيفي العدوان والعدوانية وهي  النسخة السلبية عن الخضوع وفي الأولى يحاول الشخص أن يفرض أولويته الخاصة على الآخرين وفي الثاني يقبل كل ما يملى عليه من الآخرين وفي  هذه وتلك توتر دائم أو إحباط مستمر.

    ومن السلوك غير التكيفي أيضا السلوك التحويلي أو ما كان يعرف بالهستيري وذلك أن يعبر بشكل جسماني وغير إرادي عن صراع أو توتر نفسي داخلي إما على هيئة إغماء متكرر مع نوبات صراخ وارتجاف أو على هيئة فقدان إحدى الوظائف كفقدان القدرة على النطق أو الحركة أو النظر أو الذاكرة وما إلى ذلك مما يعكس رمزيا طبيعة الصراع الداخلي , ومن ذلك أيضا إدعاء المرض وهو هنا تعبير إرادي عن الرغبة في التخلص من وظيفة أو خروج من أزمة ف"ليس على المريض حرج" وكثيرا ما يلاحظ ذلك على الأطفال حين يشكون المغص أو الصداع أيام الامتحانات أو حتى على الكبار حين يسعى موظف مثلا إلى إدعاء المرض تملصا من عمل شاق أو مهمة صعبة.

و من أخطر أنماط السلوك غير التكيفي إيذاء النفس أو الانتحار.
ولعله من غير الأنصاف أن نقصر محصلة تجربة  الشدة أو التوتر على رد الفعل الفردي فقط وإنما أيضا على الظرف المحيط والقدرات والإمكانيات المتاحة  في البيئة وفي المحيط , فكون الشخص من عائلة ثرية أو فقيرة مثلا يؤثر على تلك المحصلة  وكذلك الأمر في حجم شبكته الاجتماعية ودرجة تفهمها ودعمها له. وحتى البلد التي يعيش فيها الشخص من حيث إمكانياتها بل وحتى نظامها السياسي والاقتصادي له أيضا أثره الهام فمثلا لا يمكن أن يتساوى اثر فيضان في أمريكا مع أثره في بنغلادش مثلا حيث الفرق في الخدمات والتجهيزات ينعكس عل حجم الضرر في الأرواح والممتلكات و بالتالي في الأثر على الأفراد.

وكمحصلة لمجمل هذه العوامل على الفرد  تجربة التوتر قد تنتهي ب:
1-     الخروج منها سليما معافى وربما أقوى واكثر تعلما وأشد عودا.
2-   قد يخرج ببعض الأضرار على المدى القصير كأن يعني مثلا من أعراض ما يسمى ب acute stress reaction   حيث يشعر بالخوف والإحباط والقلق والرغبة في الانعزال والتجنب لمدة تقل عن 4 أسابيع.
3-   إذا كانت الشدة أقوى أثرها اعمق فإن ذلك يستمر لفترة أطول وتبدو مظاهر التوتر أكثر حدة ويضطرب معها النوم والأكل ومجمل أنماط السلوك وحتى قد تؤثر تلك التجربة على سلوكياته الأخرى ويعيد الفرد معيشتها أكثر من مرة حلما أو يقظة بل ويسقطها على مستقبله ويسمى ذلك طبيا post traumatic stress disorder .
4-     اضطرابات التكيف adjustment disorders وقد يترافق ذلك مع أعراض الاكتئاب أو القلق المزمن أو اضطراب السلوك بشكل عام.

    

د.جمال الخطيب

0 التعليقات:

إرسال تعليق